استضافة المملكة العربية السعودية لكأس العالم 2034: دفعة نحو المستقبل
بقلم الكاتب : محمد بن مسفر الدوسري
يعد كأس العالم FIFA أحد أكبر الأحداث الرياضية العالمية، من حيث جذب إنتباه الملايين من عشاق كرة القدم حول العالم. فمنذ إنطلاق النسخة الاولى للبطولة عام 1930 في الاورغواي ، أصبح كأس العالم حدثًا رياضيًا واجتماعيًا ذا تأثير عميق يتجاوز الحدود الرياضية ، في كل أربع سنوات تتنافس الدول على استضافة هذا الحدث البارز .
لذلك يتساءل البعض عن سبب الاحتفاء الكبير في المجتمع السعودي، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، بمناسبة ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034، وما إذا كانت هناك جدوى أو منفعة من هذه الاستضافة، على الرغم من أن تنظيم فعاليات من هذا المستوى يتطلب استثمارات ضخمة واستعدادات وتجهيزات كبيرة جداً.
ولفهم هذا الحماس بشكل أعمق وأكثر شمولاً، علينا أن نتساءل: لماذا تتنافس الدول على استضافة الفعاليات الرياضية الكبرى؟ وما الذي يدفعها لبناء تحالفات وإقامة علاقات واتفاقيات متبادلة لضمان نجاح ملف الترشيح في هذا السباق؟
استضافة المناسبات الرياضية الكبرى، مثل الأولمبياد وكأس العالم، تتجاوز كونها مجرد أحداث رياضية؛ فهي محفزات قوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول المستضيفة، ولها مكاسب عدة: سواء اقتصادية من خلال العوائد المالية المباشرة أو مكاسب ذات أبعاد استراتيجية للبلد وطويلة الأمد.
ومن أبرز المكاسب المباشرة هو تطوير البنية التحتية وتوسيع آفاق الاستثمار. فمن المتوقع أن تستثمر المملكة في تطوير بنيتها التحتية استعداداً لكأس العالم 2034، بما في ذلك بناء وتحديث الملاعب والفنادق وشبكات النقل. هذه الاستثمارات ليست لمجرد الاستضافة، بل ستساهم في تعزيز اقتصاد البلد لسنوات طويلة.
وياتي العائد السياحي اثناء البطولة من ضمن المكاسب المباشرة ، ففي مونديال موسكو 2018، شهدت روسيا زيادة كبيرة في عدد الزوار الدوليين حيث تجاوز عددهم 3 ملايين زائر. قدّرت العائدات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة من هذا الحدث بأكثر من 14 مليار دولار، وهو ما غطى كافة التكاليف الاستثمارية المرتبطة بتنظيم البطولة.
وفي قطر، خلال استضافة مونديال 2022، أظهرت الإحصائيات أن البطولة جذبت أكثر من 1.4 مليون زائر، وساهمت في تعزيز السياحة وزيادة الإشغال الفندقي بنسبة كبيرة. إلى جانب ذلك، كان للأرباح السياحية أثر إيجابي على الاقتصاد القطري بشكل ملحوظ، حيث أشارت التقارير إلى أن العائدات من القطاع السياحي وصلت إلى مليارات الدولارات.
فمن المتوقع أن تستقطب المملكة حوالي 1.5 إلى 2 مليون زائر دولي خلال فترة كأس العالم 2034، مما سيؤدي إلى عائدات سياحية كبيرة ومجزية. هذا الزخم السياحي سيساعد في تعزيز أهداف رؤية 2030 في تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط. ولنا في مونديال روسيا خير دليل، حيث تجاوزت العائدات الاقتصادية المباشرة جميع ما صرف في البنية التحتية واستعداد البلد لتنظيم كأس العالم 2018.
من جهة أخرى، ستساهم استضافة الأحداث الرياضية الكبرى في خلق فرص عمل وتطوير المهارات. حيث إن استضافة أي حدث رياضي ضخم تتطلب تعبئة جهود كبيرة من القوى العاملة. على مدى سنوات التحضير، يتم توفير آلاف الوظائف في مجالات متعددة مثل البناء، والخدمات اللوجستية، والأمن، والإعلام، والضيافة. هذه الوظائف لا تقتصر على فترة التحضير والحدث فقط، بل تستمر في بعض الأحيان بعد انتهاء الفعالية، خاصة في البنية التحتية التي تم إنشاؤها والتي تتطلب إدارة مستدامة. بالإضافة إلى ذلك، يساهم تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى في تطوير مهارات القوى العاملة المحلية، من خلال توفير فرص تدريب متقدمة والعمل جنبًا إلى جنب مع خبراء عالميين.
ومن المكاسب غير المباشرة هو تعزيز التبادل الثقافي بين الشعوب، و يُقدَّر عدد المشاهدين العالميين الذين تابعوا مباريات كأس العالم 2018 في روسيا بحوالي 3.5 مليار شخص، وهو ما يساوي أكثر من نصف سكان العالم، مما يجعل من البطولة فرصة ذهبية للتعريف بالمملكة العربية السعودية بين شعوب العالم، ورسم صورة ذهنية ونمطية صحيحة عن ثقافة المملكة وشعبها، والترويج للبلد والأماكن السياحية والتعريف بها أثناء فترة المونديال.
الخلاصة،،
استضافة المملكة العربية السعودية لكأس العالم 2034 ليست مجرد حدث رياضي، بل تمثل فرصة استراتيجية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وتعزيز السياحة، ودعم الرياضة المحلية. الأرقام والإحصائيات من كؤوس العالم السابقة توضح حجم الفوائد التي يمكن أن تحققها المملكة من هذا الحدث، مما يجعلها نقطة تحول مهمة في تحقيق أهداف رؤية 2030 ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.