منوعات

اليوم العالمي لطريقة برايل نقاط النور: رحلة برايل وأثرها في إنارة دروب المعرفة

 

بقلم د : خالد السلامي

في رحاب الظلام، حيث تسكن الحروف بصمت، يولد النور من أطراف الأصابع. هنا، في عالم لا يعترف بالألوان والملامح، تتراقص النقاط على الورق، مخلفةً خلفها سمفونية برايل التي تنير دروب العقول الباحثة عن المعرفة والحرية. في اليوم العالمي لطريقة برايل، نحتفي ليس فقط بنظام الكتابة هذا، بل بكل لمسة أعادت الأمل إلى قلب طفل أو رسمت ابتسامة على شفاه روح تواقة.
مثل فجر يتسلل بين غيوم الليل، كانت طريقة برايل بمثابة الفجر للكثيرين الذين وُلدوا في عالم محروم من الضوء. لويس برايل، الفتى الذي لم تعرف عيناه لون السماء، لكنه بصيرته اخترقت حجب الظلام لتقدم للعالم أعظم هدية يمكن أن يقدمها كفيف: نظام كتابة يتيح للمكفوفين قراءة الكلمات ولمس الأحلام.
في هذا اليوم، نستذكر تاريخ هذا الاختراع العظيم، الذي بدأ كفكرة في عقل شاب في العشرين من عمره وتحول إلى رمز للتحدي والإرادة. تاريخ يحكي كيف أن الإبداع لا يعرف حدودًا ولا يقف عند أي عائق، وكيف أن الإنسان قادر على تحويل العقبات إلى جسور تعبر بها الإنسانية إلى آفاق جديدة من الفهم والتواصل.
من رحم الظلمات، وُلدت لغة الضوء؛ فكما ينبت الزهر بين الصخور، نبتت أحرف برايل بين الأصابع. لويس برايل، الفتى الذي خُلِقَ في عالمٍ لا يعرف فيه ضوء الشمس، أبصر بقلبه ما عجزت عنه عيناه. ففي باريس القديمة، وتحت سماء ملبدة بغيوم اليأس، أخذ لويس ينقش على الورق نقاطًا تحمل في طياتها ألف معنى ومعنى. نقاط تتحدى الظلام، وتبني جسوراً نحو عالمٍ ملؤه النور والأمل.
في تلك الأيام، حيث كان العالم لا يزال يتعثر في فهم معاناة الكفيف، جاء برايل كثورة هادئة؛ ثورة تنقل الكفيف من عزلة الظلام إلى رحابة الكلمة والمعرفة. كانت هذه النقاط، بسيطة في شكلها، عميقة في معناها، تفتح أبواباً كانت موصدة أمام الملايين، تمنحهم حقًا طالما حُرموا منه: حق القراءة والكتابة.
في كل نقطة من نقاط برايل، قصة كفاح، حكاية إصرار. إنها ليست مجرد وسيلة لترجمة الحروف، بل هي لغة تتجاوز حدود الأبجدية لتلامس الروح وتحرر الفكر. ومع تطور العصور، تطورت برايل أيضًا، فتحولت من نظام كتابة بسيط إلى رمز للتقدم والتمكين.
اليوم، ونحن نحتفل باليوم العالمي لطريقة برايل، نتأمل كيف تحولت هذه النقاط إلى رموز للقوة والاستقلال. نقاط تتحدى المألوف، تقول للعالم أن الرؤية لا تقتصر على ما تراه العيون، بل تكمن فيما يمكن أن تلمسه الأيدي وتحسه القلوب. برايل لم تكن مجرد وسيلة للقراءة، بل كانت دعوة لإعادة تعريف الإمكانيات البشرية وتجاوز الحدود.

وما زالت رحلة برايل تتجدد مع كل فجر، تواكب عصراً يعانق التكنولوجيا ويتنفس الابتكار. اليوم، لم تعد برايل مجرد نقاط على الورق، بل تحولت إلى لغة تترجمها الأجهزة الذكية، تتحدثها الشاشات التفاعلية، وتنقلها الطابعات الثلاثية الأبعاد. كأنها تسير في رقصة تطور مستمرة، تتجاوز حدود الورق لتصل إلى عالم لا حدود له من الإمكانيات.
في كل جهاز يتكلم بلغة برايل، في كل برنامج يعيد كتابة الحروف لتصبح ملموسة، نجد دليلاً على أن الإنسانية لم تنسَ أولئك الذين يرون العالم من خلال أطراف أصابعهم. تلك التكنولوجيا ليست فقط أداة للتواصل، بل هي جسر يربط بين عالمين، عالم النور وعالم الظلام، ويجمع بينهما في تناغم يفوق الوصف.
وفي هذا اليوم، حيث نحتفل باليوم العالمي لطريقة برايل، نتذكر قصص النجاح التي خطتها أنامل تحدت الإعاقة وسطرت ملاحم الإرادة. نقرأ عن علماء وكتاب وموسيقيين ورواد أعمال، لم يرضخوا للظلمة، بل استخدموا برايل كسلاح في معركتهم ضد العزلة والجهل. هؤلاء الأبطال الذين لم يتوقفوا عند حدود الإعاقة، بل اخترقوها ليصلوا إلى عنان السماء بإنجازاتهم.
لكن، وعلى الرغم من هذه الانتصارات، لا يزال هناك تحديات تواجه مستخدمي برايل. تحديات في التعليم، في الوصول إلى الموارد، وفي التكامل مع التقنيات الجديدة. وهنا تبرز أهمية هذا اليوم، يوم نجدد فيه التزامنا بكسر هذه الحواجز، بتوفير الموارد والدعم، وبضمان أن يكون كل شخص، بغض النظر عن قدرته على الرؤية، قادراً على المشاركة الكاملة في مجتمعنا.
في قلب الصحراء، حيث تتلاقى التقاليد مع الحداثة، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج يحتذى به في رعايتها ودعمها للأشخاص المكفوفين وضعاف البصر. إنها رؤية تتجسد في الإمارات حيث الابتكار ليس مجرد كلمة يتردد صداها بين ناطحات السحاب، بل هو واقع ملموس يلمس حياة الناس يوميًا.
تفخر الإمارات بسياستها الشاملة التي تعزز من دمج وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية. من خلال توفير التعليم الجامعي المتاح وتكنولوجيا المساعدة المتقدمة، وصولاً إلى إطلاق برامج توعية مجتمعية ومبادرات لدعم التوظيف، تحرص الإمارات على تحقيق الاندماج الكامل لهذه الفئة في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والعملية.
كما تبنت الدولة مبادرات متعددة تعنى بتطوير تقنيات برايل وتوفير المواد التعليمية والثقافية بهذه الطريقة، ما يسهل على الأشخاص المكفوفين وضعاف البصر الوصول إلى عالم المعرفة والمشاركة الفعالة في المجتمع. هذه الجهود تُظهر التزام الإمارات الراسخ بتحقيق مجتمع يسوده العدل والمساواة، حيث يمكن لكل فرد أن يسهم ويزدهر بغض النظر عن تحدياته البصرية.
المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وحاصل على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم وحاصل على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي 2023 وعضو اتحاد الوطن العربي الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى