تقارير

“معجم النيل” عمل موسوعي يرصد ظاهرة النيل

 

متابعة – علاء حمدي

رصد “معجم النيل” ظاهرة النيل ضمن مطبوعات دار سما للنشر والتوزيع ، والتى تشارك به فى معرض القاهرة للكتاب فى دورته المزعوم أقامتها خلال أيام ، يصدر أحد الانتاجات العلمية الهامة للدكتور هشام عبد العزيز “معجم النيل” وهو عمل موسوعي يرصد “ظاهرة النيل” بوصفه العمود الفقري الثقافي لدول حوض النيل العشر. محاولا فهم هذه الشفرة الثقافية المركزية، خاصة على المستوى الشعبي، وهو ما يمكن أن يدفع لتدشين تكتل اقتصادي لا شك سيكون له تأثيره الكبير على شكل العالم الجديد اقتصاديا أولا، ومن ثم على المستوى السياسي والثقافي أيضا.

في طريقه لإنجاز هذا المعجم، عمل هشام عبد العزيز في الماجستير على “النيل في المرويات الشفاهية والمدونة”، وأصدر كتابا عن “فولكلور النيل”، وذهب وراء أخبار النهر العظيم كل مذهب: بين مروياته التراثية ورواياته الشعبية في بلاد الحوض العشر. بين احتفالية الآيريشا لعرقية الأورومو في إثيوبيا، وحفائر بربر في الأبيض بالسودان.. بين خليج نابليون ومقياس برتل ومقياس الروضة.. تتبع طواعين وأوبئة مصر بعد الزيادة البالغة للفيضان، وداء “النوام” عند أهالي محلة جنجا في محيط بحيرة فيكتوريا عام 1899م.. ركب قوارب المصريين والسودانيين التي صنعوها على أعينهم و”قلفطوها”، كما استمتع مع الأوغنديين في قواربهم التي حفروها حفرا في جزوع الشجر.

يقول عبد العزيز: “لقد رأيت سكان النيل وعايشتهم في كل أحوالهم؛ إذا حزن أحدهم شرب من البحر، وإذا فرح فإن سعادته (24 قيراط)، إذا جاء النيل زوّجوا أبناءهم وبناتهم، وإذا غاب قرأوا القرآن وصحيح البخاري، إن جاءهم مولود رموا “خلاصه” في مائه الجاري، وإذا مات طلبوا شربة منه قبل أن ينتقلوا إلى العالم الآخر. فيه تسكن الجنيات، وإليه ينجذب المساحير بالأعمال السفلية، وفي مائه العذب لحم طري من البلطي والبِنّي والقراميط. على شطآنه يحتفلون بالوفاء، وشم النسيم، والنوروز، والآيريشا، وعيد الشهيد. لزيادته يلقون العرائس البُكّر، وبزيادته يدفعون الضريبة لحاكم القلعة”.

يؤكد الكاتب أن نهر النيل ليس النهر الأهم في مصر والمنطقة بل وفي العالم كله، ويقول لمن يرى النيل بوصفه مجرد مجرى وظاهرة اقتصادية تطورت في مرات كثيرة لتصبح ظاهرة سياسية: إنه “أبعد من ذلك بكثير، ليس لمصر ولدول الحوض فحسب. وعلى من يراني مبالغا أن مئات الكائنات الحية بين أسماك وطيور وحشرات وقوارض وبهائم وبشر، يعيشون جميعا على النيل وبسببه، ويعانون مع أي تغيير في النهر، وتعاني من ورائهم البشرية بتوازنها البيئي كله، وذلك أنه أيضًا ظاهرة بيئية”.

الأهم من كون النيل ظاهرة اقتصادية وسياسية وبيئية، أنه ظاهرة ثقافية مركزية، بل هو بكل بساطة “الظاهرة المنبع”، أو الظاهرة الإطار، لشرق أفريقيا كلها، وأي تغيير في ملامح هذه الظاهرة بأي مستوى، يعني- بلا أي مبالغة- العبث في الصفات الوراثية لهذه المنطقة الجغرافية بكل ما تحمله من أبعاد حضارية.
ولعل هذه الأهمية هي التي كانت الدافع الرئيسي وراء الاهتمام المتزايد من الباحثين والكتاب طوال التاريخ المكتوب للبحث وراء هذا النهر وما يحمله من طاقات وما يثيره من طموحات منها ما هو سياسي وما هو تنموي وغير ذلك..
يقول عبد العزيز: “أما من ناحيتي، فإنه من الضروري الإشارة إلى أن مقولاتي النظرية تطورت كثيرا في فهم ظاهرة النيل في كل مرحلة، فبعد أن كنت أراه مؤثرا في حركة المجتمع المصري اقتصاديا وسياسيا، صرت أرى تأثيره ممتدا في دول الحوض، ومن ثم النظر للنهر العظيم بوصفه أحد شروط التوازن البيئي في الكرة الأرضية، قبل أن أنتهي إلى أن فهما دقيقا لطبيعة شرق أفريقيا من شمالها لجنوبها لن يحدث إلا بفهم ما أسميه ظاهرة النيل سواء على المستوى الجغرافي أو السياسي أو الثقافي وهو الأهم بالنسبة لي”.

لكن هذا التشابك والتعقيد في محاولة الإحاطة بظاهرة النيل، أثرا كثيرا في أن ثمة مغالطات حول نهر النيل يرى المدقق أنها من الكثرة بحيث يبدو أحيانا أن العالم وكثيرا ممن يعيشون على جانبي النهر وفي حوضه لا يعرفون عنه الكثير.
وفي هذه النقطة يشير الكاتب إلى أن “النيل- مثله مثل كل الأنهار العابرة في العالم- نداء طبيعي صارخ لاتحاد سياسي واقتصادي واجب، وعلى الدول العشر لحوض النيل، وكذلك إريتريا التي تحمل صفة دولة مراقب تلبية هذا النداء. وربما تقربنا بعض الأرقام البديهية من أهمية وضرورة مثل هذا الاتحاد/ الشراكة:

• مساحة دول حوض النيل نحو 9 ملايين كيلومتر مربع، وهي مساحة لا تتوفر إلا لعدد قليل جدا من دول العالم.
• عدد سكان دول الحوض نحو 500 مليون نسمة. وهو تعداد لا يتوفر إلا لعدد قليل جدا من دول العالم.
• غالبية سكان دول الحوض من الشباب وهو ما لا يتوفر لكثير من دول العالم.
• موقع جغرافي هو الأكثر تميزا، حيث يربط بين العالمين القديم والجديد، وبين شرق آسيا وأوروبا، وبحدود بحرية تزيد على نحو 4 آلاف كيلومتر، بين البحر الأبيض والبحر الأحمر والمحيط الهندي.

• موارد مائية وطبيعية ليست موجود في أي مكان في العالم.
• خط مواصلات (سكك حديدية) يربط أقصى نقطة في جنوب هذا الكيان بأقصى نقطة في شماله، وهو خط سكك حديد القاهرة- كيب تاون، أي إن صانع الفخار في جنوب حوض النيل يمكنه أن يصل بمنتجاته إلى جنوب أوروبا. ولا يحتاج مثل هذا الخط الحديدي سوى بعض التوصيلات بين الدول فكثير من قضبانه ما زالت موجودة حتى الآن.
هذه فقط بعض المؤشرات البديهية التي تؤكد أن كيانا سياسيا واقتصاديا يرتبط بنهر النيل لن يكون كيانا ناجحا فقط بل سيغير من طبيعة المعادلات السياسية والاقتصادية في العالم. ولعل لمثل هذا الكيان الضروري أن يحتمي بنهر النيل بوصفه شريانا ثقافيا واجتماعيا رابطا بين سكانه وضامنا لاستمراره.

ولعل من المفيد هنا أن نشدد على أن نهرا في أهمية ومركزية نهر النيل بالنسبة لدوله وللعالم، لا يمكن أن يكون ملكا لدولة من دول حوضه ولا حتى لدول الحوض مجتمعة
وفي هذا السياق، يتعرض عبد العزيز لمقولة “مصر هبة النيل”، ويرى أنها لا تصور طبيعة العلاقة بين النيل ومصر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى