ما حكم إطالة الركوع أثناء انتظار من يريد أن يصلي؟ وعندما أقترب لتؤم الناس أسمع صوت أحدهم يصيح وهو يريد أن يتم الركعة قبل أن أتوقف عن الركوع، فأنتظره بعض الوقت حتى يتم الركعة. فهل هذا الفعل جائز شرعا؟ سؤال تم إرساله إلى دار الإفتاء وتم الرد عليه. على النحو التالي:
ويجوز للإمام أن يطيل الركوع في انتظار من يريد أن يصلي، بشرط ألا يتأذى الناس من الإطالة. فإن لم ينتظر أصلا فلا حرج عليه. والأمر في ذلك واسع باختلاف الفقهاء.
فضل صلاة الجماعة
وقد حث الشرع الكريم الناس على حضور الجماعات وعلى الإسراع والوصول مبكراً. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم فلم يكن أمامهم إلا أن يرسموا لها أسهما لسحبوا أسهما، ولو علموا ما في الإزاحة. لأسرعوا إليه، ولو يعلمون ما في الظلمة والصبح لأتوهم ولو حبوا». رواه الشيخان ، والتحجير : التبكير إلى الصلاة أي صلاة كانت .
حكم إطالة الإمام في الركوع انتظاراً لدخول الناس في الصلاة
اختلف الفقهاء في حكم إطالة الإمام للركوع في انتظار المأموم حتى يتم الركعة – وهي مسألتنا:
وذهب الحنفية والمالكية إلى كراهية إطالة الركوع في انتظار من يريد أن يصلي، وهي كراهة محرمة عند الحنفية إذا كان يعرف الآتي، وإذا لم يعرفه فلا كراهة. . أما المالكية فقالوا: يكره لمن يصلي في جماعة إذا كان ترك التطويل لا يترتب عليه فساد، كأن يخشى وقوعه. فيصيبه الأذى من باطنه، أو تفسد صلاته بترك تلك الركعة. أما إذا كان يصلي وحده، فهذا غير مرغوب فيه على الإطلاق.
قال الإمام الحسكفي الحنفي في “الدر المختار” (ص68 ط دار الكتب العلمية): [وكُرِهَ تحريمًا إطالة ركوع أو قراءة لإدراك الجائي، أي إن عَرفه، وإلَّا فلا بأس به، ولو أراد التَّقرُّب إلى الله تعالى لم يُكرَه اتِّفاقًا، لكنَّه نادر، وتُسمَّى مسألة الرياء، فينبغي التَّحرُّز عنها] أوه.
وقال الإمام ابن عابدين الحنفي في “”رد المحتار”” (1/495 ط. الحلبي): [ لأنَّ انتظاره حينئذ يكون للتودد إليه لا للتقرب والإعانة على الخير.. وإن لم يعرفه فلا بأس به؛ لأنه إعانة على الطاعة، لكن يطول مقدار ما لا يثقل على القوم، بأن يزيد تسبيحة أو تسبيحتين على المعتاد] أوه.
قال الإمام الدردير المالكي في “”الشرح الكبير”” (١/٣٢٣ ط دار الفكر): [(ولا يُطال ركوع لداخلٍ) أي يُكرَه للإمام أن يُطيلَ الركوع لأجل داخلٍ معه في الصلاة لإدراك الركعة إن لم يخشَ ضرر الداخل إذا لم يُطل، أو فساد صلاته لاعتداده بالركعة التي لم يُدرك ركوعها معه، وأمَّا الفذ فله أن يُطيل للداخل] أوه.
بينما ذهب الإمام سحنون، والقاضي عياض من المالكية، والشافعية في الصحيح، والإمام أحمد في رواية إلى أنه يستحب أن يطيل الإمام ركوعه في انتظار من يريد أن يصلي، وهذا مشروط بمن سبق أن يكون داخل المسجد أثناء الانتظار، وأن لا تكون التطويل فاحشة، وأن يكون القصد هو التقرب إلى الله عز وجل، لا التودد إلى الداخل وتمييزه. .
قال الإمام الحطاب المالكي في “مواهب الجليل” (2/88 ط دار الفكر): [جوَّز سحنون الإطالة، واختاره عياض] أوه.
قال العلامة الدسوقي في “حوشيت علي الشرح الكبير للشيخ الدردير” (1/323 ط دار الفكر): [وإنما كره إطالة الإمام الركوع لأجل أن يدرك معه الداخل الركعة لأنه من قبيل التشريك في العمل لغير الله كذا قال عياض ولم يجعله تشريكًا حقيقةً حتى يقضى بالحرمة كالرياء؛ لأنه إنما فَعَله ليحوز به أجرَ إدراكِ الداخل] أوه.
قال الإمام النووي الشافعي في “”المجموع”” (4/ 230 ط دار الفكر): [إذا دخل الإمام في الصلاة ثم طوَّل لانتظار مصلٍّ فله أحوال: أحدها: أن يُحِسَّ وهو راكع من يريد الاقتداء، فهل ينتظره؟… الصحيح: استحباب الانتظار مطلقًا بشروط: أن يكون المسبوق داخل المسجد حين الانتظار، وألَّا يفحش طول الانتظار، وأن يقصد به التَّقرُّب إلى الله تعالى لا التَّودُّد إلى الداخل وتمييزه] أوه.
قال العلامة المرداوي في “الإنصاف” (4/ 330 ط دار إحياء التراث العربي): [قوله: “ولا يُستَحبُّ انتظار داخل وهو في الركوع في إحدى الروايتين “وأطْلقَهما في “المُذْهَبِ”، و”مَجْمَعِ البَحْرَيْن”، و”الفائقِ”، إحداهما: يُستحَبُّ انتظاره بشرطه، وهو المذهب] أوه.
وأيدوا ذلك بأدلة منها: ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أدخل في الصلاة» أريد أن أطيله، فأسمع بكاء الصبي، فأخفف به كرب أمه». رواه مسلم.
قال العلامة الخطابي في “معالم السنن” (1/ 201 ط مطبعة المطبعة العلمية): [فيه دليلٌ على أنَّ الإمام وهو راكع إذا أحسَّ برجلٍ يريد الصلاة معه، كان له أن ينتظره راكعًا ليدرك فضيلة الركعة في جماعة؛ لأنَّه إذا كان له أن يحذف من طول الصلاة لحاجة النساء في بعض أمور الدنيا، كان له أن يزيد فيها لعبادة الله تعالى، بل هو أحقُّ بذلك وأولى] أوه.
وعن عبد الله بن شداد، عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إحدى صلوات العشاء، الظهر – أو العصر – الصلاة، حاملاً الحسن – أو الحسين – فتقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزله، ثم كبر للصلاة. فدعا، فسجد كما يصلي، سجدا طويلا، وقال: رفعت رأسي فرأيت الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ساجدا. فرجعت إلى سجودي، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، سجدت لي هذه الصلاة سجدة أسجدتها. لقد طال فظننا أنه قد حدث أو أنه نزل عليك. قال: «لم يكن ذلك كله، ولكن ابني تركني، وكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته». أخرجه أحمد في “مسنده”.
وقال الإمام الطحاوي في “”شرح مشكل الأثر”” (١٤/ ٢١٥ ط مؤسسة الرسالة): [دلَّ ذلك: أنَّه من كان منه مثل هذا في صلاته لحاجة دعت إليه، أو لضرورة حلَّت به، أنَّ ذلك غير مفسد لصلاته، ولا مكروه منه فيها.. فمثل ذلك مَن انتظر غيره ليدخل فيها، وليدرك مِن فضلها ما قد طلبه من إتيانها: لا يكون بفعله ذلك مفسدًا لها… بفعله ما قد فعله فيها منه] أوه.
وقال الشافعية، والحنابلة في رواية: إنه مكروه مطلقاً.
قال الإمام النووي الشافعي في “”المجموع”” (4/230) : [إذا دخل الإمام في الصلاة ثم طوَّل لانتظار مُصلٍّ فله أحوال: أحدها: أن يُحسَّ وهو راكع من يريد الاقتداء، فهل ينتظره؟ فيه قولان.. (والثاني) يكره، وقال كثيرون من الأصحاب: لا يُستحَبُّ الانتظار] أوه.
قال العلامة ابن مفلح الحنبلي في “”المبدع”” (2/66 ط دار الكتب العلمية): [(ولا يستحب له انتظار داخل في الركوع في إحدى الروايتين) بل يكره؛ لأن انتظاره تشريك في العبادة، فلم يشرع كالرياء، ويتخرج بطلانها في تشريكه في نية خروجه منها] أوه.
خاتمة
وعليه: إذا أطال الإمام الركوع وهو ينتظر من يريد أن يصلي، مع مراعاة الشروط التي سبق بيانها، ولم يتأذى الناس من الإطالة، أو لم يطيل الركوع لعلمه أن الناس سيتضررون. فإن أطاله فقد أحسن في الحالتين، أو لم ينتظر أصلا فلا حرج عليه، والأمر في ذلك واسع لخلاف الفقهاء.