الغوص في بحر الصمت
بقلم م : فتحي عفانة
تغوص الكلمات في اعماق بحر الصمت باحثة عن قوارب النجاة ، فالصمت فن لا يتقنه الكثيرون فمن كان مبدعاً بصمته أصبح مبدعاً بكلامه، والجاهل من يعتقد أنّ الصمت هو عدم المعرفة أو الخوف من المواجهة، بل بالحقيقة أنّ الصمت هو أساس الحكمة والمعرفة، فكم من الأدباء مدحوا الصمت وذموا الكلام، الصمت علم كبير لا يفهمه الكثير, الصمت علم أبلغ من الكلام, يصعب في أغلب الأحيان تفسيره, الصمت يمنحك قوة وحكمة كبيرة, فالصمت مريح للإنسان حيث يتحاور فيه الإنسان مع ذاته، ويرمم ما اعتراها من وهن أو اهتراء بالمزيد من التأمل، والاسترخاء الذهني، واستبعاد الأفكار السلبية، واستبصار الحلول الذاتية وتجريبها بطريقة فردية، وتقويم الحلول التي تم التوصل إليها، والاستمرار بها أو استبدالها بخيارات أخرى. .
ونحن نصمت بإرادتنا أحيانا لأننا لا نريد أن نخسر أعز وأقرب الناس إلينا لأننا نخشى أن نتفوه بكلمة تحت ظروف عصيبة فتحدث شرخا كبيرا في علاقتنا فتؤدي بها إلى النهاية. نصمت لأننا نريد الاحتفاظ بتلك العلاقة أحياناً. ونصمت وهذه هي المتعة الحقيقية من صمتنا لكي نستمتع بصوت من نحب وسماع أخباره ومعرفة كل شيء عنه نصمت لنتأمل بمن نحب لأن صدقه وصراحته أجبرانا على أن نعامله بهذا الأسلوب الراقي. ونصمت لأننا نبحث عن أجمل وأرق العبارات لكي نصفه به لأنه أسرنا بروحه الحلوة. أليس في صمتنا بعد ذلك. لغة أي لغة. نعم مشاعر فياضة وعواطف مكنونة. وأحاسيس مدفونة تكمن في قلوب صامتة. نصمت لكي نفكر هل الكلام مناسب في هذا الوقت. نعم نصمت لأن الكلمات لا تسعفنا في التعبير عن الشكر والامتنان .
الصمت والهدوء، ليسا دائما خارجين عن الطبيعة الإنسانية التي تجعل الإنسان مخلوقا اجتماعيا بطبعه، فهو لغة معقدة ينبغي تفكيك رموزها، فالإنسان الصامت الهادئ، الذي ﻻ يتكلم كثيرا، هو إنسان مليء بالتساؤﻻت، تدور في عقله اﻵﻻف من الأفكار، إنسان بداخله بحر هائج يعبر عنه بصمت، إنسان يحلل كل ما يدور حوله، ويتساءل عن كل ما يزعج عقله، ويحاول أن يجد الجواب ويخرج بخلاصات لكل ما يعترض طريقه في الحياة، إنسان تعيش داخله عاصفة لا يمكن للكلمات أن تخمد نارها.